في ذهني صورة كبيرة لمهمة مفترضة لمدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية تطمس كل ما عداها من صور المهام الأخرى الحقيقية والمفترضة. وهي رعايتها مشروعنا النووي السلمي (المفترض طبعاً) وهذا لاعتقادي أنه ينبغي أن يكون لنا مشروع نووي، وأن مدينة الملك عبدالعزيز هي الجهة المؤهلة للقيام به، ولذلك كانت تلك الصورة تقفز إلى ذهني كلما مر ذكر للمدينة سواء في وسائل الإعلام أو في أحاديث المجالس، ولذلك فعندما بحثت دول مجلس التعاون ما ينبغي عليها فعله لمواجهة مشروع إيران النووي في أحد لقاءاتها وقررت أن يكون لها مشروعها النووي السلمي قفز إلى ذهني مدينة الملك عبدالعزيز كجهة مؤهلة لتبني هذا المشروع الكبير والإشراف عليه.
لذلك فقد كنت خلال الفترة الماضية التي أعقبت قرار دول مجلس التعاون أتطلع لمدينة الملك عبدالعزيز متوقعا أن تفاجئنا بخبر عن بداية عملية لهذا المشروع... وفي يوم الاثنين الماضي فاجأتني المدينة بخبر كبير نشرته صحفنا المحلية في صفحاتها الأولى بخط عريض لكنه ليس عن مشروعنا النووي الذي طال انتظاري له، ولكن عن صناعة الطائرات والسيارات في المملكة بعد ثلاث سنوات من الآن... وتعجبت واندهشت وارتبكت بعد مشاهدتي الخبر... مثل حال من كان يراقب المشرق في الصباح الباكر ليستمتع بلحظة شروق الشمس ففوجئ بأنوار الكهرباء ليدرك أنه استقبل الليل وليس الصباح.
وبصراحة فقد تعجبت... فما دخل مدينة الملك عبدالعزيز في صناعة السيارات التي يفترض أن تكون مشروعا للقطاع الخاص لا مانع من دعمه من المدينة... وكيف ستقوم المدينة بتبني صناعة السيارات والطائرات...؟؟ هل هي التي ستقيم المصانع وتتحمل التكاليف وتشرف على الإنتاج والتسويق...؟؟ وهل ستكون الصناعة مجدية اقتصاديا... وهل سيكون ذلك بالتعاون مع شركات السيارات الشهيرة كمرسيدس وتويوتا وجنرال موتورز وغيرها، أم إننا سننشئ إنتاجا متميزا لشركة جديدة...؟ وما دور وكلاء صناعة السيارات عندنا في مثل هذا...؟ وهل هي صناعة السيارات التي نعرفها أم صناعة لسيارات من نوع آخر لها استخدامات مختلفة...؟؟ وقرأت الخبر لأعرف التفاصيل..
نائب رئيس المدينة الأمير تركي بن سعود بن محمد آل سعود الذي وقع الاتفاقيات مع الجانب الألماني يؤكد في المؤتمر الصحفي أن مقر تلك المصانع والمشروعات سيكون في مدينة الرياض (لا بأس) ثم يقول إن إنتاج تلك المصانع (من الطائرات والسيارات بالطبع) سيكون بعد ثلاث سنوات (ممتاز) ثم يقول إن منتوجات هذه المصانع سوف تسوَّق في مختلف أنحاء العالم لأنها ذات مواصفات عالمية (رائع). ورئيس وزراء ولاية هيسي الألمانية الذي رأس الوفد الألماني الكبير الذي حضر للمملكة ووقع الاتفاقيات مع الهيئة يقول ((إنه يجب أن نعمل في مشروعاتنا من حيث انتهى الآخرون))... ما معنى كل هذا...؟؟ معناه بوضوح أننا سننتج بعد ثلاث سنوات سيارات وطائرات متطورة جداً وأن المصانع ستكون في وسط الرياض، وأننا لن نكتفي بتغطية الاحتياج المحلي أو حتى الخليجي والعربي والإسلامي بل سنصدر لمختلف أنحاء العالم وسيقبل عليها المستهلكون في جميع الدول لمستواها الكبير المتطور (من حيث انتهى الآخرون).
هل هذا صحيح...؟؟
هذا ما ورد في الخبر الذي نشرته الصحف في صفحاتها الأولى.
هل هذا معقول...؟؟
في رأيي لا... إذا كانت مثل السيارات التي نعرفها... فهذا المشروع الكبير يتطلب اعتمادات كبيرة في ميزانية مدينة الملك عبدالعزيز وهي غير موجودة على حد علمي... ويتطلب تحديد تفاصيل كثيرة أهمها أن يكون المشروع اقتصاديا... أي رابحاً... وهذا غير مؤكد في الخبر... ويتطلب قبل هذا وذاك حداً مقبولا من المعقولية وهي فيما أرى غير موجودة إلا إذا كانوا يقصدون سيارات من نوع آخر... أي ليست للاستخدام العام وإنما لأغراض خاصة.
إذن ما هي الحكاية...؟؟
الحكاية موجودة في الخبر نفسه... وهو أن ما تم توقيعه بين المدينة والشركات الألمانية هو فقط مذكرات تفاهم أي تطلع وطموحات ونوايا... والخبر يقول إن الخطوة التالية هي قيام الشركات الألمانية (بتمويل من المدينة بالطبع) بالبدء في أبحاث علمية بالاشتراك مع المدينة لتطوير جوانب من (تقنية النانو) وتقنية النانو كما هو معروف أحدثت ضجة عالمية في الآونة الأخيرة، والنانو هي أجزاء متناهية الصغر تقارب جزءاً من مليار جزء من المتر وتقنيتها تقوم على تقريب ذراتها وإعادة ترتيبها في المادة فتصغر الآلات ويرتفع أداؤها وهذه التقنية تدخل في مختلف الصناعات بما في ذلك الاتصالات والأجهزة الصحية وتعتبر الطائرات والسيارات واحداً من مجالاتها... وفي ظني أن مدينة الملك عبدالعزيز تطمح من توقيع اتفاقيات التفاهم مع الشركات الألمانية أن تحصل بموجبها على اعتمادات مالية من وزارة المالية لتمويل تلك الأبحاث أولاً... وبعد ذلك تطلب اعتمادات مالية أخرى لتنفيذ الخطوات اللاحقة ثانياً... وثالثاً... ورابعاً... وخامساً...إلخ. التي لا نعرف كيف ستكون؟
طيب... هل هذا المشروع منطقي وعملي...؟؟
مدينة الملك عبدالعزيز لم تقدم في مؤتمرها الصحفي ما يؤكد هذا... ولذلك يصعب القول إنه منطقي وعملي... فصناعة السيارات على سبيل المثال تتطلب توفر مقومات لا بد من توفرها أولا... أولها وجود السوق الكافية... والثاني توفر العمالة المدربة الماهرة الرخيصة... وثالثها وهو الأهم توفر قاعدة من الصناعات الثانوية التي ترتكز عليها صناعة السيارات... مثل صناعة الزجاج... والإطارات... والقطع البلاستيكية... وغيرها... وغيرها... من القطع الثانوية لمكونات السيارة... والأهم من كل هذا أن تقنية النانو ليست شرطاً لإيجاد الصناعة كما هي الحال الآن في مصانع شركات السيارات العملاقة في مختلف دول العالم.
إن المشروع الذي قدمته المدينة محير جداً... وقد أكون لم أفهمه لكون المدينة لم تقدم الإيضاحات الكافية... وقد قرأت منذ عدة أيام أن إحدى الشركات المتخصصة في إحدى الدول الصناعية ستنتج طائرة صغيرة بحجم علبة السجائر تقوم على تقنية النانو... فإذا كان هذا هو المقصود... أي سيارات وطائرات بنوعية صغيرة، ليست لاستخدام الناس ولكن لأغراض خاصة فما هي حاجتنا يا ترى لهذا النوع من الصناعة، مع أننا لم نبدأ ألف باء الصناعة في مجال السيارات والطائرات...؟؟ وهل من المقبول أن نقوم نحن (الدولة التي لا يوجد بها الآن ألف باء صناعة السيارات) برعاية أبحاث لتطوير الصناعة على تلك الشاكلة...؟؟
لقد حيرني مشروع مدينة الملك عبدالعزيز الذي أجده غريباً بعض الشيء... وقد أوحى لي – وقد أكون مخطئاً – أن المدينة تحاول أن توجد لها دوراً متميزاً... وليس هذا محل ملاحظة أو عتاب للمدينة مني... فمن حقها وحق غيرها أن توجد لها الدور المتميز، ومن حق أي إنسان أن يفعل ذلك... ولكن لا بد أن يكون ذلك منسجماً مع واقع الحال ومع الدور الطبيعي ومع المعايير الاقتصادية السليمة... إذ إني على سبيل المثال أستطيع أن أقيم مصنعاً ضخماً متطوراً للسيارات أو غير السيارات إذا استعدت جهة أخرى بتوفير الدعم المالي اللازم والتزمت بالتمويل السنوي ولم تطالبني بالجدوى الاقتصادية... ومدينة الملك عبدالعزيز تستطيع توفير مبالغ كافية للشركات الألمانية لإقامة الأبحاث... وتستطيع أن تقيم مصانع للسيارات أو غير السيارات إذا كانت وزارة المالية ستوفر الدعم المالي لها... ولكن هل تستطيع أن تجعل تلك المصانع اقتصادية... أي يكون العائد المالي منها أقل من تكلفتها... هذا هو المحك... فهل المدينة ستستطيع ذلك...؟؟
إنني أقدر طموح الإخوة في مدينة الملك عبدالعزيز وقد وقفت على جانب من جوانب أنشطتهم العديدة في إحدى زياراتي للمدينة ولا أعني بما كتبته القول إن المشروع الذي قدموه لنا خيالي غير ممكن التطبيق، ولكن أعني أن جدواه لم تتضح لي وأظن أن هناك كثيرين يتفقون معي في ذلك، فإن تكرمت المدينة بإيضاح ما خفي علينا فسيكون هذا أمر طيب، وإلا فإن المستقبل هو الحكم بيننا، فقد نكون على خطأ في فهمنا أو في تقديرنا وتكون المدينة سابقة لنا في الرؤية والتنبؤات للمرحلة القادمة، ولذلك فلا بد أن أشكرها وأتمنى لها التوفيق في تطلعاتها وطموحاتها وفي الوقت نفسه لا بد أن أعود لمشروعنا النووي السلمي المرتقب لأقول إن دور المدينة المتميز في رأيي هو توليها هذا المشروع ولا يعني هذا عدم وجود أدوار متميزة أخرى يمكن أن تتولاها المدينة وتبدع فيها، ولكن يعني أن هذا الدور كما أراه ثمرة ناضجة جاهزة للقطف تتطلع الأفواه والأفئدة إليها.
*- نقلا عن صحيفة "الوطن" السعودية
تعليقات حول الموضوع (عدد التعليقات 16)
--------------------------------------------------------------------------------
1 -
سعودي حر (زائر) |11/05/2009 م، 04:48 مساءً (السعودية) 01:48 مساءً (جرينتش)
لكن سنصنعها بمشاركة امريكية او المانية
--------------------------------------------------------------------------------
2 - سلام
قطري بن الفجاءه (زائر) |11/05/2009 م، 05:01 مساءً (السعودية) 02:01 مساءً (جرينتش)
سيدي الكاتب اني احترم قلمك لانه واقعي اريد ان اعلق بالقول بان الاموال ليست كل شيء ياسيدي ايران ليست اغنى منا ولكنها صنعت الطائره والغواصه والدبابه والسياره ووصلت للقمر فضلا عن الننوي وسر التخصيب هذا ليس بالمال وحده انما ببناء الانسان فكم انفقنا على الانسان في هذا البلد ليكون باحثا منتجا؟؟ اذا اردنا الوصول لما وصل له الاخرون يجب ان نعطي المواطن حقه قبل كل شيء في ان يواصل دراسته تماما كغيره ولا نميز بين منطقة واخرى جامعاتنا سبع منذ الازل ولم تتغير وطلابنا بعد الثانويه يلهثون وراء مقعد جامعي
--------------------------------------------------------------------------------
3 - خبر مفرح
شدهان (زائر) |11/05/2009 م، 05:15 مساءً (السعودية) 02:15 مساءً (جرينتش)
خبر مفرح وخريجي كليات المعلمين ينتظرون دورهم عند سور وزارة التربيه؟
--------------------------------------------------------------------------------
4 - موضوع تافه
ابراهيم (زائر) |11/05/2009 م، 05:20 مساءً (السعودية) 02:20 مساءً (جرينتش)
موضوع تافه لا يستحق حتى ان تتم قرائته
--------------------------------------------------------------------------------
5 - اغفلت الفكرة الرئيسية
م حسام (موظف في المدينة) (زائر) |11/05/2009 م، 06:57 مساءً (السعودية) 03:57 مساءً (جرينتش)
عزيزي الكاتب الفكرة الرئيسية لهذا النوع من المشاريع هو نقل التقنية وهذا هو بيت القصيد والغرض الاساسي و مدى الجدوى الاقتصادية من هذة المشاريع هو امر سابق لأوانه مع علمي بأن بعض الصناعات مثل صناعة الزجاج والقطع البلاستيكية. وغيرها متوفر ولله الحمد في الشركات الموجوده سابك و ارامكو و وو ... عندما تصنع السيارة ليس بالضرورة ايضا ان تصنع كل اجزاءها فكبار شركات السيارات تشتري بعض المكونات من شركات اخرى فلم اسمع ابدا عن اطارات مرسيدس او تويوتا عندما تنقل التقنية فانت تبدا من حيث انتهى الاخرون وليس من الف باء الصناعة كما اسلفت وهذا هو الطريق الصحيح فلا حاجه لاعاده اختراع العجلة نقل التقنيه عن طريق تدريب وتطوير المهندسين والفنيين هو الطريق الصحيح لتطوير الصناعة وهو المنهج اللي اتخذته اكثر الدول تطورا بالاستثمار في القوى البشرية وتستطيع ان تبحث عن تجربة انتاج السيارات في اليابان ليتضح مقصدي كنت اتمنى انك قد حضرت احد معارض المدينة لتشاهد الانجازات التي تحققت والتي يتم العمل على تحقيقها فهل تعلم مثلا عن وجود اكثر من 6 اقمار صناعية سعوديه!!! اتخيل الدهشة التي تعلو وجهك ووجه بعض من يقرأ التعليق